عام على الاتفاق النووي الإيراني.. السياقات والمتغيرات


حنان المنصف

بتاريخ 14 يوليو 2016 تمر سنة على توقيع الاتفاق النووي بين دول (5+1) و إيران، و مع ذل فإن قراءة جوانب الاتفاق و تداعياته مازالت مفتوحة على كل  التحليلات التي كثيرا ما تصل لحد التناقض. فبين القول بأن توقيع الاتفاق فتح مرحلة جديدة من التحالفات في المنطقة و بين الجزم بأن إيران لم تخرج مستفيدة من الاتفاق كما روج لذلك، تبقى كل الاحتمالات واردة. غير أنه يجوز لنا أن نعتبر أن هذا الاتفاق جاء كنتيجة لسياقات تاريخية و لمتغيرات متعلقة بالأطراف المتفاوضة و تحديدا الولايات المتحدة وإيران.

مقاربة أمريكية جديدة

عرفت الولايات المتحدة الأمريكية تحولا في سياستها اتجاه المنطقة خاصة بعد خسائر غزو العراق سنة 2003 ، و قد تجلى ذلك من خلال توصيات لجنة بيكر- هاملتون سنة 2006  التي جاءت لتقييم الوضع و لتقديم الحلول و سبل الخلاص مما عرف ب”المستنقع العراقي” ، حيث أن اللجنة قدمت مقاربة جديدة للتوجهات الأمريكية المحتملة في التعاطي مع تطورات الواقع الإقليمي تقوم أساسا على تجنب إخفاقات التدخل العسكري في العراق. و قد تدعمت هذه التوجهات خلال فترة باراك أوباما الذي لطالما اعتبر أن توجيه ضربة عسكرية ضد إيران لا يعد خيارا صائبا و أنه من غير المستبعد أن تضر هذه الضربة بالمصالح الأمريكية.

عجز العقوبات و اقتصاد إيراني متدهور

ارتبطت البدايات الأولى للمفاوضات الغربية مع إيران حول برنامجها النووي بمساعي بعض الدول الأوروبية سنة 2003 لإيجاد تسوية للأزمة النووية الإيرانية، حيث شهدت تلك الفترة فشل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إقناع إيران بوقف جهودها من أجل الحصول على الوقود النووي ما تواصلت الضغوط الأمريكية بمطالبة الوكالة إعلان انتهاك إيران لاتفاقية عدم الإنتشار النووي، فجاء تدخل الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا و بريطانيا و ألمانيا ) -التي عرفت بالترويكا الأوروبية- مع إيران بهدف إقناعها بوقف برنامج تصنيع الوقود النووي مقابل تعهدات أوروبية بتقديم جملة من المساعدات و الحوافز من أجل تطوير تقنية استخدام الذرة لأغراض سلمية. و قد استمرت مفاوضات الترويكا الأوروبية مع الجانب الإيراني لحدود سنة 2006 دون أن تحقق نتائج إيجابية و هو ما نتج عنه إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الذي أصدر أربعة قرارات بهدف تضييق الخناق على إيران و دفعها للاستجابة للمجتمع الدولي. و مع بداية سنة 2007 صارت إيران تحت طائلة العقوبات الدولية.

هذه العقوبات تركت أثرا سلبيا على الاقتصاد الإيراني حيث ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية بشكل كبير و ارتفعت معدلات التضخم بنسق سريع، كما أنه و منذ سنة 2011 فقدت العملة الإيرانية نصف قيمتها مقابل العملات الأخرى وقد سجلت إيران خسارة تزيد عن 100 مليار دولار  نتيجة العقوبات المفروضة عليها.

غير أنه و فيما يتعلق بتأثير العقوبات على طموحات إيران النووية، فإن إيران تمكنت من زيادة أجهزة الطرد المركزي من 5 آلاف سنة 2006 إلى 60 ألف سنة 2011 كما   كشفت تقديرات غربية خلال تلك الفترة عن حصول إيران على أجهزة طرد مركزي جديدة تعمل بشكل أسرع لتخصيب اليورانيوم و أنها أنشأت عددا من المواقع النووية الجديدة. و كان وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت جيتس قد صرح بأنه و برغم قدرة واشنطن و حلفائها على فرض عقوبات إضافية من خارج مجلس الأمن غير أن هذه العقوبات ستبقى عاجزة عن جعل إيران تغير سياساتها المرتبطة ببرنامجها النووي.

 صعود روحاني و العودة إلى الخيار الدبلوماسي

وسط تنامي الأجواء المتوترة و المشحونة بين إيران و الدول الغربية مع ما مثله محمود أحمدي نجاد من تعنت في التعاطي مع الملف النووي وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة وأمام مقاربة أمريكية تقوم على تقليل حجم الانخراط في قضايا الشرق الأوسط، التقت المصالح الأمريكية و الإيرانية في الرغبة في إيجاد تسوية للملف النووي الإيراني تكون بداية لصيغة جديدة من التقارب تكسب فيها واشنطن حليفا جديدا و تعزز فيها طهران من نفوذها الإقليمي، هنا جاء الدور العماني الذي جمع في بداية سنة 2012 وفدا أمريكيا بحضور جون كيري الذي كان يشغل منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس مع علي صالحي كبير المفاوضين في البرنامج النووي. هذه الاجتماعات التي حدثت في آخر رئاسة نجاد عكست تبلور إستراتيجية جديدة على مستوى القيادة السياسية في إيران بمباركة المرشد الأعلى علي خامنئي، هذا التحول الإيراني تأثر إلى حد كبير بما عشته المنطقة و من تزايد الفجوة بين إيران و محيطها العربي و التركي.

ساهم وصول حسن روحاني إلى الرئاسة سنة 2013 في تعزيز مناخ الثقة بين الأطراف المتفاوضة، فمنذ أن تقلد روحاني منصبه شهدت العلاقات مع دول الغرب انفراجا كانت أولى مؤشراته اتفاق إيران و بريطانيا على استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد انقطاع دام أكثر من سنتين، كما أن روحاني بعث بعدة رسائل إيجابية للغرب من ذلك توجيه دعوة للحرس الثوري بعدم التدخل في الشؤون السياسية ضمانا لعدم عرقلة السياسة الإيرانية الجديدة تجاه الولايات المتحدة.

و من سنة 2013 إلى حدود سنة 2015 و بعد واحد و عشرين شهرا من المفاوضات الصعبة، أعلنت مجموعة (5+1) عن التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران حول برنامجها النووي و ذلك بعد الاتفاق الانتقالي في جنيف في نوفمبر 2013 ثم اتفاق الإطار في لوزان في أفريل 2015. و يقوم الاتفاق النهائي الذي ضم 159 صفحة مابين وثيقة الاتفاق الأساس و 5 ملاحق تقنية على تقييد البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات المفروضة على إيران بعد التأكد من وفائها بالتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق.

و مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ في جانفي 2016 ، مازال لا يمكن تحديد الرابحين و الخاسرين من هذا الاتفاق. غير أنه يمكن القول و للوهلة الأولى أن هذا الاتفاق لم يحقق لإيران اندماجها في النظام المالي العالمي و لم يقلل من حدة الضغوط الاقتصادية كما لم يضمن للولايات المتحدة تعديل السلوك الإقليمي الإيراني و انخراط إيران  بشكل كامل في التوجهات العامة للسياسة الأمريكية بالشرق الأوسط . فماذا غير هذا الاتفاق ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في المقال القادم.

تم عمل هذا الموقع بواسطة